فصل: مسألة أكرى جفنتين له بالضمان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة جاء بثوب إلى خياط فقال أخرج لي منه قميصا أو ساجا:

ومن كتاب الرطب باليابس:
وسمعت مالكا قال: من جاء بثوب إلى خياط فقال: أخرج لي منه قميصا أو ساجا، فقال: نعم، فأعطى على ذلك أجرا فقطع، فلم يأت ذلك فيه، قال: لا غرم عليه، ولو أفسد شيئا منه غرم ما أفسد يعني بذلك قيمة الثوب، إلا أن يكون ذلك فسادا يسيرا.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد اختلف فيها اختلافا كثيرا، وتحصيله أنه اختلف في الضمان إذا غر، وفي الأجرة إذا لم يغر، ولا اختلاف في أنه لا ضمان عليه إذا لم يغر، ولا في أن لا أجرة له إذا غر، وهذا إذا أتاه فقال له: انظر هذا الثوب إن كان فيه قميص أو لا، فقال له: فيه قميص، فلما قال له ذلك، قال: اقطعه ولك كذا وكذا، ومثله الذي يستأجر القسطار على انتقاد الدراهم فينقدها فيجد فيها زيوفا، وقد مضى القول على هذا في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف مستوفى، فلا معنى لإعادته هنا مرة أخرى، وأما لو أتى بثوبه إلى الخياط فقال: انظره إن كان فيه قميص فاقطعه، فلك كذا وكذا، فقطعه فلم يكن فيه قميص لوجب عليه ضمانه قولا واحدا؛ لأنه لم يأذن له في قطعه إلا بشرط أن يكون فيه قميص، فإذا قطعه ولا قميص فيه وجب عليه ضمانه؛ لأن ذلك خيانة منه.

.مسألة يدفع ثوبه إلى الخياط فيزعم الخياط أنه أعطاه إياه ليرقعه:

وقال مالك في الرجل: يدفع ثوبه إلى الخياط أو الغسال، فيزعم الخياط أو الغسال أنه أعطاه إياه ليرقعه أو يدفعه إلى غيره، قال: القول قول الخياط والغسال، وكل صاحب صنعة، فهو بهذه المنزلة متى أشبهوا في قولهم مع أيمانهم.
قال محمد بن رشد: قوله: القول قول الخياط يريد القول قوله في أنه أعطاه إياه ليعمله في مبلغ الأجرة، فإن ادعى ما يشبه منها كان القول قوله، ولم يحلف صاحب الثوب إذ لا فائدة في يمينه؛ لأن العامل يأخذ ما حلف عليه بما يشبه، حلف رب الثوب أو نكل، وأما إن ادعى العامل من الأجرة ما لا يشبه، فلابد من يمين صاحب الثوب؛ لأن يمينه تسقط عنه الزائد على أجرة المثل، فإن نكل عن اليمن أخذ العامل ما حلف عليه، وإن لم يشبه؛ لأن رب الثوب قد مكنه من ذلك بنكوله، وفي المدونة لغير ابن القاسم أن العامل مدع، فقيل: معناه في الأجرة إن ادعى أكثر من أجرة المثل يريد أنه إن ادعى أكثر من أجرة المثل، وحلف على ما يدعي لم يستحق بيمينه ما حلف عليه وحلف رب الثوب على ما ادعى، فسقط عنه بيمينه ما زاد على أجرة المثل، وإن نكل عن اليمين أخذ العامل ما حلف عليه، وإن نكل العامل عن اليمين وحلف رب الثوب أخذ ثوبه مصنوعا أو مغسولا، ولم يكن عليه شيء في الصباغ والغسل، وقيل: بل معناه أنه مدعي فيما ادعاه من أنه استعمله إياه، فلا يصدق في ذلك ويحلف صاحب الثوب ويأخذ ثوبه مصبوغا أو مغسولا بغير غرم إلا أن ينقصه الصبغ أو يفسده، فيكون به مخيرا في أخذه أو تركه وأخذ قيمته، وإن زاد الصبغ، فله أخذه بلا غرم على ما ذهب إليه ابن حبيب.

.مسألة الرجل يستأجر القسطار ينتقد له دنانير ويعطيه على ذلك عطاء:

وسئل مالك عن الرجل يستأجر القسطار ينتقد له دنانير ويعطيه على ذلك عطاء، ثم يخرج بها من عنده، فيأتي بها غيره فإذا فيها غير جيد، قال مالك: ليس عليهم شيء، قيل: فحراس القراء، قال: هم كذلك، لا أرى عليهم شيئا من الضمان للجعل الذي جعل لهم، وقال: يعطون دينارين ويغرمون ثمن الفرس قيمتها دنانير، لا أرى ذلك عليهم، فقيل له: أفترى حارس الحمام مثله؟ قال: ما أشبهه به.
قال محمد بن رشد: أما مسألة القسطار يستأجر على انتقاد الدراهم، فيوجد فيها زيوف فقد اختلف في ضمانه إذا غر، وفي هل له أجرة إذا لم يغر حسبما ذكرناه في أول مسألة من هذا الرسم، ومضى تمام القول فيه وفي رسم أخذ يشرب من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف، ومثل الدليل يخطئ في الطريق لا أجرة له إذا غر، ويختلف هل له أجرة إذا لم يغر، فابن القاسم يوجبها له، وأشهب لا يراها له، وقد مضى ذلك في سماعه من كتاب الجعل والإجارة، وأما حراس القرا والذعا فلا اختلاف في أن الأجرة لهم، ولا ضمان عليهم إلا أن يضيعوا أو يفرطوا فيضمنوا، ولهم الأجرة إذا ضمنوا، وقد مضى هذا في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب الجعل والإجارة، وأما حارس الحمام فقوله: إنه لا ضمان عليه هو مثل ما في المدونة.
وفي ذلك تفصيل، أما إن كان أكراه صاحب الحمام لحفظ ثياب من يدخل في الحمام بأجرة ثابتة في ذمته، فلا اختلاف في أنه لا ضمان عليه إلا أن يضيع أو يفرط، وأما إذا كان يحرس من ثياب الناس بجعل يأخذه من كل من يدخل الحمام، ويحرس له ثيابه، فقيل: إنه لا ضمان عليه، وهو قول مالك، وقال ابن لبابة: ما سواه خطأ، وقيل: إنه ضامن كالراعي المشترك، وإلى هذا ذهب ابن حبيب على قول ابن المسيب والحسن ومكحول والأوزاعي في أن الراعي المشترك ضامن؛ لأنه قد نصب نفسه لذلك فصار كالصانع.

.مسألة الذي يسرق من الحمام:

ومن كتاب نذر سنة يصومها:
وسئل مالك: عمن يسرق من الحمام قال: إن الحمام ربما أخطأ الرجل، وربما اغتلوا، ولقد قلت لصاحب السوق: آمره أن يضمن صاحب الحمامات ثياب الناس فيضمنونها أو يأتون بمن يحرسها وأمرته أن يضمنهم ثياب الناس يدخلون الحمام.
قال محمد بن رشد: إذا لم يكن على ثياب الحمام حارس يحرسها، فلا قطع على من سرق منها إلا أن يحتال في السرقة من خارج الحمام من لم يدخل الحمام على ما قاله في المدونة، وفي رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب السرقة، قال مالك رَحِمَهُ اللَّهُ: إن صاحب الحمام إذا لم يأت بمن يحرس ثياب الحمام فقد أهملها إذا تركها في غير حرز لا يجب القطع على من سرقها، وكان ذلك من التضييع الذي يجب عليه به الضمان، فإذا أتى بمن يحرسها سقط عنه الضمان؛ لكون الثياب إذ كان لها حارس في حرز يجب القطع على من سرقها، ثم ضعف وجوب القطع على من سرقها إذا كان عليها حارس لما ذكر أن السارق قد يغتل فيقول: أخطأت وظننت أنه ثوبي، وما أشبه ذلك، ولعمري إنه لكما قال إذا كان السارق سرق من ثياب من تجرد إلى جانبه، وأما من سرق من غير الموضع الذي تجرد فيه أو سرق دون أن يتجرد فلا يصح له اغتلال، والقطع عليه واجب إذا كان للثياب حارس، يبين هذا ما وقع في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب السرقة أن من سرق من الحمام يقطع إن كان على الثياب من يحرسها، وإن لم يكن لها من يحرسها، فلا يقطع سارقها إلا إن سرقها من وراء الجدار وما أشبه ذلك دون أن يدخل الحمام.

.مسألة الطحانين الذين يدفع إليهم القمح فيكال عليهم فيطحنونه فينقص:

وسئل مالك: عن الطحانين من أهل مصر الذين يدفع إليهم القمح، فيكال عليهم فيطحنونه فينقص فيغرمونهم، فقال مالك: ما سمعت في ذلك بشيء، يريد الغرم، وأرجو أنه خفيف.
قال محمد بن رشد: أما إذا كانت الأرحى للطحانين، أو كانت في اكترائهم، فلا إشكال في أنهم كالصناع وأنهم ضامنون، وأما إذا لم تكن الأرحى لهم، ولا في اكترائهم وكان أصحاب الأرحى والمكترون لها وكلاهم الذين يعاملون أصحاب الطعام على واجبهم في الطحين، فالطحان الذي يتولى طحين طعام كل من يأتي بطعامه إلى صاحب الرحى، يشبه الراعي المشترك، ففي هذا ضعف مالك الضمان، والله أعلم، فقال فيه: ما سمعت في ذلك بشيء يريد الغرم، وأرجو أن يكون خفيفا، ومعنى قوله: وأرجو أن يكون خفيفا، أي: أرجو أن يكون الحكم بتضمينهم من جهة القياس والنظر دون أن يكون لا ذلك أثر يتبع خفيفا، إذ لا يصح أن يكون التضمين والتغريم إلا إما واجب، فيلزم الحكم به، وإما غير واجب فيحرم الحكم به، وهو عنده واجب، وإيجابه عنده من ناحية القياس دون سنة تتبع هو الخفيف، وسيأتي ما في سماع أصبغ، الاختلاف فيما يضمنون إن كان القمح أو الدقيق، وبالله التوفيق.

.مسألة الصناع يشترطون على من دفع إليهم العمل عدم الضمان:

ومن سماع أشهب وابن نافع من مالك قال سحنون: أخبرني أشهب وابن نافع قالا: سئل مالك عن الصناع الصباغ أو الغسال أو غيرهما من الصناع يشترطون على من دفع إليهم العمل: أن لا ضمان عليهم ويعطون على ذلك أجرا فقال: لا ينفعهم ذلك، وعليهم الضمان، ولو أمكنوا من ذلك ما عمل منهم أحد إلا اشترط أن لا ضمان عليه، ولابد لي من غسل ثوبي.
قال محمد بن رشد: تعليله لإسقاط الشرط بأن الناس لو أمكنوا من ذلك ما عمل صانع عملا إلا اشترط أن لا ضمان عليه، يريد فيدخل على الناس بذلك ضرر، إذ لابد لهم من استعمالهم، يدل على أن الشرط بإسقاط الضمان فيما يغاب عليه من العارية والرهن عامل، إذ لا ضرر في ذلك على المعير والراهن، وذلك في المعير أبين إذ قد لا يبايعه المرتهن إلا بالرهن فتدعو الراهن حاجته إلى البيع إلى أن يلتزم الشرط، وقد حكى ابن أبي زيد في المختصر عن أشهب في الصناع أن شرطهم ينفعهم، فإذا رآه عاملا في الصناع فأحرى أن يعمله في المرتهن والمستعير، ولابن القاسم وأشهب في سماع أصبغ من كتاب العارية أن الشرط غير عامل في الرهن والعارية، ومثله أيضا لابن القاسم في بعض روايات المدونة في العارية في كتاب الرهن منها، فهو في الصانع أحرى ألا يكون عاملا، فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال: إعمال الشرط وإسقاطه، والفرق بين أن يشترط ذلك الصانع أو المرتهن أو المستعير، وهو أظهر الأقوال، إذ لا وجه لإسقاط الشرط في العارية؛ لأن المعير إذا أسقط عن المستعير الضمان فقد فعل معه معروفا من جهتين، والرهن قريب من العارية في ذلك، وما لإسقاطه فيهما وجه إلا أنه من باب إسقاط حق قبل وجوبه، فيجري ذلك على اختلافهم في هذا الأصل، وأما الصانع يشترط ذلك فبين أن سقط شرطه من أجل أن رب المتاع كأنه مكره على الشرط بضرورته إلى استعمال الصانع، وإذا بطل الشرط فنبغي أن يبطل العقد، فإن فات بالعمل كان للصانع أجر مثله على أن عليه الضمان؛ لأنه إذا رضي لما سميا من الأجرة على أن لا ضمان عليه، وأما على ما حكى ابن أبي زيد عن أشهب من إعمال الشرط، فتكون له الأجرة المسماة، وعكس هذه المسألة أن يشترط المعير أو الراهن على المستعير أو المرتهن الضمان فيما لا يغاب عليه من الحيوان أو مع قيام البينة فيما يغاب عليه، فهذا قول مالك فيه وجميع أصحابه أن الشرط باطل جملة من غير تفصيل حاشا مطرفا، فانه قال: إن شرط عليه الضمان لأمر خافه من طريق مخوفة أو نهر أو لصوص أو ما أشبه ذلك، فالشرط لازم إن عطبت في الأمر الذي خافه واشترط الضمان من أجله، وقال أصبغ: لا شيء عليه في الوجهين مثل قول مالك وأصحابه، وإذا بطل الشرط عن المستعير ألزم إجارة الممثل في استعماله العرية عن حكمها إلى حكم الإجارة الفاسدة؛ لأن صاحبها لم يرض أن يعيره إياها لا بشرط أد يحرزها في ضمانها فهو عوض مجهول حرام يرد إلى المعلوم.

.مسألة قال الأجير أنا آخذ ثلث ما اقتضيت وأكون في الثلث الذي أخذت على شرطي:

ومن كتاب الأقضية الثاني:
وسئل فقيل له: إني جعلت لرجل في تقاضي دين لي على رجل ثلث ما يقتضي منه، فجاءني الذي لي عليه الحق فصالحني عن إعطاء ثلثي حقي، وأخرت عنه الثلث إلى أجل فقال الأجير: أنا آخذ ثلث ما اقتضيت وأكون في الثلث الذي أخذت على شرطي، قال مالك: هو الذي تقاضاه ولزمه حتى جاءك به فصالحك، فقال: نعم، فقال له مالك: أرى له ثلث الثلثين اللذين قبضت، وهو في الدين الذي بقي على الغريم على شرطه، إن تقاضاه فله ثلثه، وإن لم يتقاضه وتركه لم يكن له فيه شيء، وذلك أنه هو الذي تقاضاه وجاءك به، وحركه على قضائك وجلبه، فأرى ذلك له ولا أرى به بأسا.
قال محمد بن رشد: قوله: إن له ثلث الثلثين إذا كان قد حركه في قضائه مثل رواية علي بن زياد عن مالك، وقول سحنون في سماعه من كتاب الجعل والإجارة إن الجاعل إنما يلزمه الجعل إذا شرع المجعول له في العمل خلاف ظاهر ما في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الجعل والإجارة حسبما مضى هنالك من القول فيه، وقال: إن المجعول له على شرطه في الثلث الباقي، ولم يبين إن كان له أن يتقاضاه قبل الأجل أم لا، والصواب أن ذلك له؛ لأن الجعل إذا لزم الجاعل، فليس له أن يؤخر بالدين فيضر بالمجعول له، قال هذا بعض الشيوخ ولا أقول به إذ ليس عندي بصحيح؛ لأن التأخير قد لزم صاحب الدين، وصار بما فعل من التأخير قد فوت الجعل على المجعول، فوجب له بذلك جعله فيقبض لنفسه ثلث الثلث الباقي معجلا ويسقط عنه اقتضاء بقيته، وقد مضى من قول ابن القاسم في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب الجعل والإجارة بيان هذا فقف عليه.

.مسألة أكرى جفنتين له بالضمان:

وسئل: عمن أكرى جفنتين له بالضمان، قال: ما أرى ذلك ولكن إن كان وضع من كرائهما شيئا للضمان رأيت أن يبلغ له كراؤهما، قيل له: إن الذي تكاراهما قد زعم له أنهما سرقتا منه، فقال: لا أرى هذا يجوز له إن كانتا انكسرتا، فأين فلقتاهما؟ فأرى ضمانهما عليه، وليس من قبل اشتراط صاحبهما رأيته ضامنا، ولكنه لأنه لم يعلم أخذ ما ذكر.
قال محمد بن رشد: كذا وقعت هذه المسألة في جميع الأمهات ناقصة، سأله فيها عن ادعاء المكتري أنهما سرقتا منه، فأجابه على ادعائه أنهما انكسرتا منه، ولم يأت بفلقتيهما، والذي يدل عليه مذهبه فيها أنه مصدق في دعوى السرقة، وأنه لما سأله عن ذلك قال: هو مصدق في ذلك، فقال له: فإن زعم أنهما انكسرتا، فقال: لا أرى هذا يجوز له، إن كانتا انكسرتا فأين فلقتاهما؟ فسقط ذلك من الأصل الذي نقل العتبي منه المسألة، فاتفقت الأمهات على ذلك، وحكم اكتراء العروض شرط الضمان على قول مالك في هذه الرواية حكم يراع إلينا بفسخ الكراء إلا أن يرضى المكري بترك الشرط، فإن لم يعثر على ذلك حتى فات الكراء كان على المكتري الأكثر من الكراء المسمى أو كراء المثل على غير شرط الضمان، وذلك بين من قوله، ولكن إن كان وضع من كرائهما شيئا لموضع الضمان رأيت أن يبلغ له كراؤهما، إذ لو كان الكراء.
عنده فاسدا يجب فسخه في القيام على كل حال لقال: إنه يكون فيه في الفوات كراء المثل بالغا ما بلغ، كان الكراء أقل من الكراء المسمى أو أكثر، وإنما ضمنه في دعواه الكسر لتبين كذبه إذ لم يأت بفلقتيهما، فليست هذه الرواية بمخالفة لقول ابن القاسم وروايته عن مالك في أن المكتري مصدق في دعوى الضياع، وما وقع في المدونة من رواية أشهب عن مالك في أن من أكرى جفنة، فقال: إنها ضاعت لا يصدق إلا أن يقيم البينة على الضياع ليس بنقل صحيح؛ لأن الرواية بتضمينه إنما هي في دعوه الكسر لتبين كذبه إذ لم يأت بفلقتيها على ما بان من هذه الرواية، وقد قال ذلك محمد بن المواز، ولا أعلم خلافا في أن المكتري مصدق في دعوى ضياع ما أكترى من العروض إلا ما وقع في الدمياطية لابن القاسم، قال: وسئل عن الرجل يكتري الدابة بالضمان، قال: لا خير فيه، ويرد إلى كراء من لا ضمان عليه، قيل: وكذلك الأشياء كلها؟ قال: لا أدري ما الأشياء؟ قيل: المناجل والحديد قال: أما الحديد فهو له ضامن.
قال محمد بن رشد: يريد بالحديد متاع الحديد الذي يعرف بعينه كالمحافر والمساحي والسكك وشبه ذلك، إذ لا يجوز اكتراء ما لا يعرف بعينه إذا غيب عليه، وقوله: إنه ضامن له شذوذ في المذهب، وأما قوله: فمن أكرى دابة بالضمان أنه لا خير فيه، ويرد إلى كراء مثله ممن لا ضمان عليه، فظاهره كان أكثر من المسمى أو أقل، ومعناه: إذا فات الكراء، وأنه يفسخ إن عثر عليه قبل الفوات، وإن ترك المكري الشرط، وهو القياس خلاف رواية أشهب، وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يجعل للرجل جعلا على دين له يأخذه وله الثلث مما أخذ:

ومن كتاب أوله مسائل بيوع ثم كراء:
وسئل: عن الرجل يجعل للرجل جعلا على دين له يأخذه وله الثلث مما أخذ فقال: إن كان شيئا يأخذه فلا بأس بذلك، وإن كان يذهب يخاصم فلا خير فيه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الجعل والإجارة وفي سماع أصبغ منه أيضا، فلا معنى لإعادته.

.مسألة الرجل يدفع إلى الخياط ثوبا يخيطه له والثوب ملفوف في منديل:

وأخبرني موسى بن الفرج عن أشهب في الرجل يدفع إلى الخياط ثوبا يخيطه له والثوب ملفوف في منديل، فيضيع المنديل عند الخياط، قال: فقال لي أشهب: إن كان ثوبا شريفا مثله يحتاج إلى وقاية، فإنه للمنديل ضامن، وإن كان ثوبا لا يحتاج إلى وقاية لغلظه فهو فيه مؤتمن ولا ضمان عليه فيه.
قال محمد بن رشد: أما إذا كان الثوب غليظا لا يحتاج مثله إلى وقاية فلا اختلاف في أنه لا ضمان عليه في المنديل الذي لف فيه، وأما إذا كان شريفا مثله يحتاج إلى وقاية، فقال أشهب في هذه الرواية: إنه يضمنه، وقال ابن حبيب: إنه لا ضمان عليه فيه، قال: لأن الثوب يستغني عنه ولا يضطر إلى أن يلف فيه، وقال محمد بن المواز مثله إنه لا ضمان عليه فيه إلا أنه علل بأن المنديل لم يكن له فيه عمل، فعلى قول ابن حبيب يضمن الصيقل الجفن، وإن لم يكن له فيه عمل إذ لا يستغني السيف عن جفنه، ويضمن الفران القصاع التي أتي إليه بالخبز فيها إذا تلفت قبل مزايلة الخبز منها، وقد نص على ذلك في القصاع، ويأتي على قول ابن المواز أن الفران لا يضمن القصاع التي أتي إليه بالخبز فيها إذا تلفت، إذ لا عمل له فيها، ولا يضمن الصيقل الجفن إذ لا عمل له فيه، وقد فعلى ذلك في جفن السيف يضيع عند الصيقل ويضمن على مذهبهما جميعا الصانع المثال الذي يعمل عليه والوراق الأم التي يكتب منها، والطحان الأعدال التي يحمل إليه الطعام فيها، إذ لا يستغني الصانع في عمله عن المثال، ولا الوراق في نسخه عن الأم ولا الطحان في طحينه عن الأعدال، وقد نص على ذلك ابن حبيب في الأعدال، وقد قال في القصاع على هذا القياس إنه إذا أتي إليه بالعجين فيها ليقرصه فيها إنه ضامن لها كيفما ضاعت بالعجين أو بغير العجين إذ لا يستغني في عمله عنها، وهو قول مالك في سماع محمد بن خالد في المثال، وسحنون يقول: إنه لا يضمن الصانع المثال ولا الوراق الأم التي يكتب منها إذ لا عمل له فيها، وكذلك لا يضمن على مذهبه الطحان الأعدال، ولا الفران القصاع، وإن كان يخبز الخبز فيها إذ لا عمل له فيها، وإنما عمله وصنعته في الخبز الذي يقرضه فيها، فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه لا يضمن إلا ما له فيه عمل، وإن كان يحتاج إليه في عمله، أو يحتاج إليه الشيء المعمول، وهو قول سحنون.
والثاني: أنه يضمن ما لم يكن فيه له عمل إذا كان يحتاج إليه في عمله أو يحتاج إليه الشيء المعمول، وهو قول ابن حبيب.
والثالث: أنه لا يضمن ما لم يكن فيه عمل، وإن احتاج الشيء المعمول إلا أن يحتاج إليه في عمله، وهو قول محمد بن المواز، ومذهب مالك على ما وقع له في سماع محمد بن خالد، ولا اختلاف بينهم في أنه يجب عليه ضمان ما له فيه عمل، ولا في أنه لا يضمن ما لا عمل له فيه، ولا يختلفون في صفة تقويم الذي يجب عليه ضمانه منها، فمنهم من كان يرى أن يقوم عليه وحده على أنه لا صاحب له، فيغرم قيمته، ومنهم من كان يرى أن يقوما جميعا، ثم يقوم الثاني وحده فيغرم ما بين القيمتين؛ لأنه قد فسد عليه الباقي بخلاف التالف إذ لا ينتفع بأحدهما دون الآخر، وهو أصح القولين كما لو استهلك له رجل أحدهما لضمن ما نقصه منها، وبالله التوفيق.

.مسألة أخطأ الغسال فدفع إلى رجل ثوبا غير ثوبه فلبسه وهو لا يعلم:

ومن سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم قال ابن القاسم: إذا أخطأ الغسال، فدفع إلى رجل ثوبا غير ثوبه فلبسه وهو لا يعلم أن الثوب الذي أعطاه الغسال غير ثوبه نظر، فإن كانت قيمته دينارين وقيمة ثوب الرجل الذي عند الغسال دينار نظر في لبس ثوبه الذي عند الغسال كم كان ينقص في مثل لبسه هذا الثوب الذي لبسه وقيمته ديناران، فإن كان ذلك ينقص ثوبه في قدر ما لبس هذا الثوب نصف دينار نظر في لبس ثوب الرجل، فإن كان الذي نقص من ثوبه من قيمته دينار لم يكن على الذي لبس الثوب أكثر مما كان ينقص من ثوبه أو لبسه، وغرم الغسال ما بقي، وإن كان الذي ينقص من ثمن الثوب أقل من نصف دينار لم يكن على الذي لبس الثوب أن يغرم أكثر مما نقص، وإن كان لو لبس ثوبه في قدر ما لبس ثوب الرجل ينقص أكثر مما لبس ثوب الرجل لم يكن عليه أكثر مما نقص ثوب الرجل، وليس على الغسال في ذلك شيء إذا لم يجاوز قدر ما كان ينقص في لبس ثوبه، وإن كان الثوب الذي لبسه قيمته دينار وقيمة ثوبه الذي عند الغسال ديناران نظر في لبس ثوبه كم كان ينقص، فإن كان ينقص في لبسه نصف دينار، والذي نقص من ثوب هذا ربع دينار غرم الربع إلى ما بينه وبين النصف دينار وأخذ ثوبه، وإن كان الذي نقص أكثر من نصف دينار لم يكن على صاحب الثوب الجيد أن يغرم أكثر مما ينقص ثوبه في اللبس؛ لأنه قد يلبس الثوب الجيد شهرا، ولا ينقص من ثمنه إلا ربع دينار ولو كان يلبس غيره.. دناءة ثمنه في مثل ما لبسه فيه من الأيام لنقص في ذلك نصف الثوب، وكانت قيمة الثوب دينارا فليس على صاحب الثوب أكثر مما كان ينقص لبس ثوبه أو مثله، فيكون غرمه على الذي لبسه كله، ولا يكون على الغسال شيء.
وإن لبسه الذي لبسه وهو يعلم أنه ليس ثوبه ضمن ما نقص من ذلك قل أو كثر، ولم يكن على الغسال شيء إلا أن لا يوجد عند الذي لبسه شيء فيتبع صاحب الثوب الغسال ويكون ذلك دينا للغسال على الذي لبس الثوب، وإن كان كل واحد منهما لبس ثوب صاحبه وهو يعرف أنه ليس ثوبه، واختلفا في النقصان غرم من وقع عليه الفضل لصاحبه، فإن لم يكن في القيمة فضل، فلا شيء لواحد منهما على صاحبه.
قال محمد بن رشد: اختلف في الغسال يخطئ فيدفع ثوب الرجل إلى غيره، فيلبسه وهو يظنه ثوبه على أربعة أقوال: أحدها: أنه لا شيء على اللابس، ويأخذ ثوبه غير ملبوس ويرجع الذي لبس ثوبه على الغسال بما نقصه اللبس إلا أن يكون قد أبلاه اللبس فيكون له أن يضمن الغسال قيمته، وهذا قول مالك في رواية أبي قرة وفي الموطأ رواية يحيى والذي يأتي على قياس ما في المدونة في الذي يثيب على الصدقة ثوبا، وهو يظن أن الثواب يلزمه أنه لا رجوع له فيها إذا فات، والقول الثاني: أنه لا شيء على اللابس إلا أن يكون لبس الثوب حتى أبلاه، وهو قول مالك في رواية أشهب وابن عبد الحكم عنه، والقول الثالث: أنه يلزم اللابس غرم ما نقصه لبسه قليلا كان أو كثيرا، وهو قول سحنون في نوازله من هذا الكتاب، والقول الرابع: أنه يلزمه غرم الأقل مما نقصه لبسه أو مما كان ينقص ثوبه لو لبسه ذلك اللبس، فإن كان ذلك أقل رجع صاحب الثوب بالفضل على الغسال، وهو قول ابن القاسم في سماع عيسى هذا، إذ أوجب على اللابس غرم جميع قيمة الثوب بلباسه إلى أن أبلاه على قول مالك في رواية أشهب وابن عبد الحكم عنه، أو ما نقصه لبسه قل أو كثر على قول سحنون، أو الأقل مما نقصه لبسه أو مما كان ينقص ثوبه لو لبسه ذلك اللبس على رواية عيسى هذه، فصاحب الثوب مخير إن شاء رجع بذلك على اللابس، وإن شاء رجع به على الغسال، فإن رجع بذلك على الغسال رجع الغسال به على اللابس.
وجه القول بأنه لا شيء على اللابس هو أنه أمكنه منه من أذن له فيه فوجب أن لا يضمن كما قالوا فيمن أثاب عن صدقة ظنا منه أن ذلك يلزمه، فأكله المثاب أنه لا يضمن، وكما قالوا فيمن أمر بشراء جارية بمائة فاشتراها بمائة وخمسين وبعث إليه بها فوطئها وحملت أنه لا شيء عليه من الزيادة، ووجه القول بأنه ضامن لجميع ما نقصه اللبس هو أنهما جميعا مخطئان على رب الثوب الدافع واللابس، فلا يدفع عن اللابس الغرم؛ لأنه مخطئ أيضا على رب الثوب، ويكون له أن يتبع من شاء منهما إن شاء الدافع الذي أخطأ عليه أولا، وإن شاء اللابس المنتفع، فإن رجع على الدافع رجع الدافع على اللابس، وإن رجع على اللابس لم يكن له رجوع على أحد، ورواية أشهب وابن عبد الحكم عن مالك استحسان إذ لا يخرج على أحد القولين، وكذلك رواية عيسى عن ابن القاسم هذه استحسان؛ لأنه لم ير على اللابس أن يغرم إلا مقدار ما وقى عن ثوبه بلباسه ثوب الرجل، ولم يقولوا: إذا أخذ عن الصدقة ثوابا، فاشترى به طعاما فأكله إنه يغرم، وهو قد وقى بذلك ماله إذ لو لم يأكل من الثواب لأكل من ماله، فإذا أكل دفع ثوب هذا إلى هذا وثوب هذا إلى هذا، فلبس كل واحد منهما ثوب صاحبه جرى ذلك على هذا الاختلاف، على قول مالك في الموطأ رواية يحيى لا يكون لواحد منهما على صاحبه شيء، وإنما يرجع كل واحد منهما على الغسال، وعلى قول سحنون في نوازله يرجع كل واحد منهما على صاحبه بما نقص لبسه ثوبه فيتقاصان بذلك، ولا يكون على الغسال شيء إلا أن يكون لأحد منهما فضل على صاحبه، فيرجع به عليه أو على الغسال، فإن رجع به على الغسال رجع به الغسال على اللابس، وعلى رواية عيسى هذه، وهو قول ابن الماجشون، يرجع كل واحد منهما على صاحبه بالأقل مما نقص لبسه من الثوب الذي لبسه أو مما كان ينقص ذلك اللبس من ثوبه لو لبسه ذلك اللبس، ويتقاصان بذلك، فمن كان له منهما في ذلك فضل على صاحبه رجع به على الغسال، وإن لبس كل واحد منهما ثوب صاحبه وهو يعلم أنه ليس ثوبه كان عليه ما نقصه لبسه، وتقاصا بذلك، ومن كان له منهما في ذلك فضل على صاحبه رجع به عليه إلا أن يكون عديما فيرجع به على الغسال ويتبع به الغسال العديم قولا واحدا، وإن لبس أحدهما ثوب صاحبه وهو يعلم أنه ليس ثوبه رجع الذي لبس ثوبه على اللابس بما نقصه اللبس إلا أن يكون عديما، فيرجع به على الغسال أو يتبع به الغسال اللابس.
وتلاف ثوب أحدهما عند صاحبه أو ثوب كل واحد منها عند صاحبه في ضمانه بجميع قيمته على قياس ضمانه لما نقصه لبسه في العمد والجهل سواء في جميع الوجوه، وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يأتي بالجلد إلى الخراز فيقول اعمل لي خفين فيواجبه:

ومن كتاب يوصي لمكاتبه بوضع نجم من نجومه:
وسألت ابن القاسم عن الرجل يأتي بالجلد إلى الخراز فيقول: اعمل لي خفين فيواجبه، ثم يذهب عنه ولم يصف له صنعة الخفين فيعدو الخراز، فيعمل له الخفين قبل أن يسأله عن الصنعة، فيأتي صاحب الجلد فيقول: ما أمرتك أن تعمل لي مثل هذين الخفين، وإنما أردت غير هذه الصنعة، فيقول الخراز: صدقت إنك لم تأمرني، ولكني رأيت أن هذا العمل مما يصلح لك، قال: إذا عمل خفين تشبه أخفاف الناس، وهو مما يشبه لبسه الرجال فأرى القول قول الخراز، ولا ضمان عليه؛ لأنه لم يصف الخفين حين واجبه، فكأنه فوض إليه، قلت: وكذلك الرجل يأتي الخياط بالثوب، أو إلى صاحب القلانس بالظهارة؟ قال: نعم كذلك، قلت: وكذلك الذي يأتي بالثوب إلى الصباغ، قال: الصباغ غير هذا إذا صبغه بغير إذن صاحبه ضمن، وهو بمنزلة الرجل يقول له الرجل: اشتر لي خادما، فاشترى له جارية.
قال محمد بن رشد: قوله: في الذي يواجب الخراز على عمل الخفين أو الخياط على خياطة ثوب أو القلاس على عمل قلنسوة، ولا يسمي له صفة العمل إنه يلزمه ما عمل له إذا كان ذلك يشبه لباسه، هو صحيح على معنى ما في السلم الثاني من المدونة في الذي يأمر الرجل أن يشتري له ثوبا أو جارية، ولا يسمي له جنس الثوب ولا جنس الجارية أنه يلزمه ما اشترى له من الجواري والثياب إذا كان ما اشترى له يشبه أن يكون من جواريه أو من ثيابه، وأشهب يقول: إنه يلزمه ما اشترى من الجواري والثياب، وإن لم يكن مثلها من خدمه ولا من ثيابه إلا أن يقول له: اشتر لي ثوبا ألبسه أو جارية تخدمني، فحينئذ ينظر إن كان ذلك يشبه أن يكون من خدمه أو من ثيابه على ما قال ابن القاسم، فكذلك يلزم على مذهبه في استعمال الخفين وخياطة الثوب وعمل القلنسوة أن يلزمه ما عمل من ذلك، وإن كان ذلك لا يشبه أن يكون من لباسه إلا أن يقول له: اعمل لي خفين ألبسهما وثوبا ألبسه أو قلنسوة ألبسها فحينئذ ينظر إلى ما قال ابن القاسم، فلا يلزمه شيء من ذلك إذا لم يشبه أن يكون من لباسه، وأما الذي يأتي بالثوب إلى الصباغ فيقول له: اصبغ هذا الثوب، ولا يبين له أي لون يصبغه، فقال ابن القاسم: إنه إن صبغه بغير إذنه فهو ضامن صحيح على أصله في مسائل الشراء والاستعمال أنه لم يحمل قوله: اشتر لي جارية أو عبدا أو اصنع لي خفين أو قلنسوة على التفويض إليه في أن يشتري له أي جنس رآه، وفي أن يعمل له أي صفة رآها، وإنما حمله على أنه إنما أمره بما يشبه من ذلك كله فوجب لما كانت الألوان تختص به اختصاصا واحدا ليس بعضها يشبهه، وبعضها لا يشبهه أن يضمن إذا صبغ له الثوب باختياره إذ لم يفوض ذلك إليه، ويأتي على مذهب أشهب في مسائل الشراء أنه لا ضمان عليه؛ لأنه إذا حمل قوله في الشراء اشتر لي ثوبا على التفويض إليه في أن يشتري له أي ثوب رآه من الثياب كان مما يشبه لباسه أو لا يشبهه، فكذلك يحمل قوله: اصبغ لي هذا الثوب على التفويض إليه في أن يصبغه له أي صبغ رآه، وذلك في الصباغ أبين منه في الثياب؛ لأن الألوان تختص به في اللباس اختصاصا واحدا أو من جنس الاختصاص بخلاف الثياب، ووقع في بعض الروايات: وهو بمنزلة الرجل يقول للرجل: اشتر لي خادما فاشترى له جارية، وفي بعضها: وهو بمنزلة الرجل يقول: اشتر لي خادما أو اشتر لي جارية، فالرواية الأولى تعود إلى مسألة الصباغ يريد أنه يكون متعديا إذا صبغ بغير أمره بمنزلة إذا أمره أن يشتري له خادما، فاشترى له جارية، والرواية الثانية تعود إلى مسألة الاستعمال يريد أنه لا يضمن إذا عمل له خفين يشبه لباسه كما لا يضمن إذ قال له: اشتر لي خادما أو اشتر لي جارية، فاشترى له جارية تشبهه أو خادما تشبهه، وبالله التوفيق.